المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما هي القلوب الميتة وما علاجها في الإسلام ؟


عبد الرحمن السحيم
25-10-2016, 07:59 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حفظكم الله ورعاكم شيخنا الفاضل
ما هي القلوب الميتة وما علاجها في الإسلام ؟
وهل يُعاقَب مَن قلبه ميّت في الدنيا قبل الآخرة ؟
بارك الله فيكم

الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
آمين ، ولك بمثل ما دعوت .

القلوب الْميّتة : هي التي لا تتأثّر بِموعظة ، ولا تَلِين لِفقير ويتيم ومسكين ، ولا تُوقِظها فاجِعة ، ولا يُحرّكها مَشْهَد مؤثِّر ، ولا يَكفّ أصحابها عن الحرام ، ولا يَرعَوُون عن غَيّ وولوغ في باطِل ووُلوج في ضلال .
قال الله تبارك وتعالى عن بني إسرائيل : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) .

وتَجْتَمِع خِصال السوء والشرّ في أصحاب القلوب القاسية ، كما قال عَزّ وَجَلّ : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) .

تلك القلوب التي تَحَجَّرت حتى اتّصَفَتْ بِتلك الصِّفات ستُذِيبها النار ، كما قال الجبّار جلّ جلاله : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ)

وقد يُحيي الله القلوب الْمَيّتة ، كما قال تعالى : (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ،

ومِن الأقوال في تفسير هذه الآية :
قال ابن الجوزي في قوله : (كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ) قولان :
أحدهما : كان ضالاً فَهَدَيناه .
والثاني : كان جاهلاً فَعلّمْناه .
وقال ابن كثير : أي أحْيَا الله قلبه بالإيمان .
وقال الشوكاني : والمراد بالميتِ هنا : الكافر أحياه الله بالإسلام . اهـ .
والذي في الظُّلُمات هو الكافر .
ومنه قوله سبحانه : (وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ (20) وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ)
وجاء في تفسير الآيات المتقدمة :
لا يستوي المؤمن والكافر .
ولا المهتدي والضال .
ولا العالِم والجاهل .
ولا أصحاب الجنة والنار .
ولا أحْيَاء القلوب وأمْوَاتها .

وقال تبارك وتعالى : (إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) .
قال القرطبي : قوله تعالى : (إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ) أي : سَمَاع إصْغاء وتَفَهّم وإرادة الحق ، وهم المؤمنون الذين يَقْبَلون ما يَسمعون فينتفعون به ويعملون .
ثم قال : (وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ) وهُم الكفار ، أي : هُم بِمَنْزِلة الموتى في أنهم لا يَقْبَلون ولا يُصْغُون إلى حُجّة . اهـ .

ومَن أراد حياة قلبِه ؛ فلْيُكثِر مِن قراءة القرآن في كل حِين .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : إذا افتقر العَبد إلى الله ودَعاه ، وأدْمَن النظر في كلام الله وكلام رسوله وكلام الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين : انفتح له طريق الْهُدَى . اهـ .

وقال ابن باديس : فو الله الذي لا إله إلاّ هو ، ما رأيت- وأنا ذو النفس الملأى بالذنوب والعيوب - أعظم إلانة للقلب ، واستدرارا للدَّمع ، وإحضارا للخشية ، وأبعث على التوبة ؛ مِن تلاوة القرآن وسَمَاع القرآن . اهـ .

ولْيَلْزَم ذِكْر الله في كل حين .
ولَمّا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحْيَا الناس قَلْبًا كان أكثرهم لله ذِكْرا .
قالت عائشة رضي الله عنها : كان النبي صلى الله عليه وسلم يَذْكُر اللَّهَ على كُلِّ أَحْيَانِه . رواه مسلم .

قال الربيع بن أنس : علامة حُب الله : كْثرة ذِكْره . فإنك لا تُحب شيئا إلاّ أكثرت مِن ذِكْره . وعلامة الدِّين : الإخلاص لله في السر والعلانية . وعلامة الشُّكر : الرضا بِقَدر الله والتسليم لِقضائه .

وأن يُقدِّم المسلمُ شَرْعَ الله على رَغبته وهَواه ، وأن يَتعرّف على الله .
قال ابن القيم : فأما طِبّ القلوب ، فَمُسَلّم إلى الرُّسل صلوات الله وسلامه عليهم ، ولا سبيل إلى حصوله إلاّ مِن جِهتهم وعلى أيديهم ، فإن صلاح القلوب أن تكون عارِفة بِرَبها وفاطِرها ، وبأسمائه وصفاته ، وأفعاله وأحكامه ، وأن تكون مُؤثِرة لِمَرْضاته ومَحَابّه ، مُتَجَنّبة لِمَنَاهِيه ومَسَاخِطه ، ولا صِحّة لها ولا حياة الْبَتّة إلاّ بِذلك ، ولا سبيل إلى تَلَقّيه إلاّ مِن جِهة الرُّسل ، وما يُظن مِن حصول صِحة القّلب بِدون اتِّبَاعهم ، فَغَلَط ممن يَظن ذلك ، وإنما ذلك حياة نفسه البهيمية الشهوانية ، وصِحتها وقوّتها ، وحياة قلبه وصِحته ، وقُوّته عن ذلك بِمَعْزِل ، ومَن لَم يُمَيِّز بين هذا وهذا فَلْيَبْكِ على حياة قَلبه فإنه مِن الأموات ، وعلى نُورِه فإنه مُنْغَمِس في بِحار الظُّلمات . اهـ .

وأن يُكثِر مِن ذِكْر الموت ، كما أمَر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك .
كان السلف إذا ذُكر عندهم القبر بَكَوا ..
وإذا أرادوا وَصف حالة وُجوم والمبالغة في الحزن قالوا : كأن بين أيديهم جنازة .
كان عثمان بن عفان رضي الله عنه إذا وَقف على قبر بكى حتى يبل لحيته ، فيقال له : تذكر الجنة والنار فلا تبكي ، وتبكي من هذا ؟ فيقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن : القبر أول منازل الآخرة فإن نَجا منه فما بعده أيسر منه ، وإن لم يَنْجُ منه فما بعده أشدّ منه ، قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما رأيت منظرا إلاّ والقبر أفظع منه . رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم وصححه ، وحسّنه الألباني ، وصححه الأرنؤوط .

قال الغزالي : اعلم أن الجنائز عِبرة للبَصير ، وفيها تَنبيه وتذكير لأهل الغفلة ، فإنها لا تزيدهم مشاهدتها إلاّ قساوة ، لأنهم يظنون أنهم أبدا إلى جنازة غيرهم ينظرون ، ولا يحسبون أنهم لا مَحالة على الجنائز يُحْمَلون أو يحسبون ذلك .
وكان مكحول الدمشقي إذا رأى جنازة قال : اغدوا فإنا رائحون . مَوعظة بَليغة ، وغفلة سَريعة ، يذهب الأول ، والآخِر لا عَقل له .
وقال أسيد بن حضير : ما شهدت جنازة فحدثتني نفسي بشيء سوى ما هو مَفعول به ، وما هو صائر إليه ؟
ولَمّا مات أخو مالك بن دينار ، خَرَج مالكٌ في جنازته يبكي ويقول : والله لا تقرّ عيني حتى أعلم إلى ماذا صِرتَ إليه ، ولا أعلم ما دُمتُ حَيا .
وقال الأعمش : كنا نشهد الجنائز فلا ندري مَن نُعزّى لِحُزن الجميع .
وقال ثابت البناني : كنا نشهد الجنائز فلا نرى إلاّ مُتقنعا باكيا .
فهكذا كان خوفهم مِن الموت .
والآن لا ننظر إلى جماعة يحضرون جنازة إلاّ وأكثرهم يضحكون ويَلهون ، ولا يتكلمون إلاّ في ميراثه وما خَلّفه لِوَرثته .. ولا يتفكر واحد منهم - إلاّ ما شاء الله - في جنازة نفسه ، وفي حاله إذا حُمِل عليها . ولا سبب لهذه الغفلة إلاّ قسوة القلوب بِكثرة المعاصي والذنوب ، حتى نسينا الله تعالى واليوم الآخر والأهوال التي بين أيدينا . فصرنا نلهو ونغفل ونشتغل بما لا يعنينا .
فنسأل الله تعالى اليقظة من هذه الغفلة ، فإن أحسن أحوال الحاضرين على الجنائز بكاؤهم على الميت ، ولو عقلوا لَبَكَوا على أنفسهم لا على الميت .
وقال : وآداب تشييع الجنازة لزوم الخشوع ، وترك الحديث ، وملاحظة الميت ، والتفكّر في الموت والاستعداد له . اهـ .

وقَسْوة القلب وحدها عقوبة .
فإن الله تبارك وتعالى ذَكَر ما عاقَب به اليهود ، فذَكَر العقوبة بِقَسوة القلوب .
قال تعالى : (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) .

وَقَدِ اسْتَعَاذَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَيْنٍ لا تَدْمَعُ ، ومِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ .. كَمَا في صَحِيحِ مسلِمٍ .
قَالَ العَينيُّ : وَالْقَلْبُ الذِيْ لا يَخْشَعُ : قَلْبٌ قَاسٍ لا يَنْقَادُ للطَّاعَةِ ، ولا لأُمُورِ الشَّريعَةِ . اهـ .
قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ : مَا ضُرِبَ عَبْدٌ بِعُقُوبَةٍ أَعْظَمَ مِنْ قَسْوَةِ الْقَلْبِ . رواه الإمام أحمد في " الزُّهد " .

وحياة القلب وعافيته أهمّ مِن حياة البَدن وعافيته ..
قال ابن القيم : الْعَجَب مِمَّن تَعرِض له حَاجة فَيَصْرِف رَغبته وهِمّته فيها إلى الله لِيَقضِيها له ولا يَتَصَدَّى للسؤال لِحَياة قَلبه مِن مَوت الْجَهْل والإعراض ، وشِفائه مِن دَاء الشَّهَوَات والشُّبُهات ، ولكن إذا مَات الْقلب لم يَشْعر بِمَعصيته . اهـ .



فَمَن شَعَر بِقَساوة قلبه ؛ فليُكثِر مِن الدعاء وسؤال الله أن يُحيي قلبه ، وأن يُصلِح فساد قلبه ، وأن يرزقه قلبا سليما خاشِعا .


وسبق الجواب عن :
تعاني مِن قسوة القلب ولا تتأثر بالمواعظ الدينية ، فما الحل ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=18693

أسباب قسوة القلب وعدم الخوف من الموت
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=3155

ما هي أسباب قسوة القلب ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=2864

ما صحة هذا : إذا شكوت قسوة فعليك بالدعاء : " اللهم يا مُسَهّل الشديد ويا مُلَين الحديد " ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=11412

تقول : لا أستطيع الخشوع في صلاتي رغم أني أتجنّب المعاصي
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=12891 (http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=12891)

كيف التعامل مع الميئوس من إصلاحه في ديننا الحنيف ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=18727

ما هي علامات بغض الله للعبد ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=14208

هل تُرجى التوبة على مَن لَعنه الله ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=11780

مقال :
لكن قلبك في القساوة جاز حدّ الصخر والحصباء
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=7861

وخُطب جمعة :
(قسوة القَلبِ)
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=16859

(آثار قسوة القلب)
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=14031

( أسباب رِقّة القلب وصلاحه)
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=14029

والله تعالى أعلم .