المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل مَن عيّر أخاه يبتليه الله بمثل ما عيّره به ؟


ناصرة السنة
15-02-2010, 12:50 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيخي الفاضل
هل ورد حديث بما معناه ان مَن عيّر أخاه يبتليه الله بمثل ماعيّره به في الدنيا قبل أن يموت ؟

وهل قد يؤجل الله هذه العقوبه له في الآخره أم كما في الحديث : في الدنيا ؟

الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

ورد في الحديث عند الترمذي : " مَنْ عَيَّرَ أَخَاهُ بِذَنْب لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَعْمَلَهُ " ، وهذا حديث شديد الضعف ، بل أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " ، وقال : هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمتهم به محمد بن الحسن .
قال أحمد بن حنبل : ما أراه يساوى شيئا.
وقال يحيى : كان كذابا.
وقال النسائي : متروك الحديث .
وقال الدار قطني : لا شئ .

وقال الألباني : موضوع . يعني : أنه مكذوب .

وورد أيضا عند الترمذي : " لا تظهر الشماتة لأخيك فيعافيه الله ويبتليك " .

وهذا أيضا أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " ، وقال : هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعمر بن إسماعيل لا يُعَدّ .
وقال يحيى : ليس بشئ ، كذاب ، رجل سوء خبيث .
وقال الدار قطني : متروك .

وضعّفه الألباني .

وثََبَت النهي عن التعيير بالذنب ؛ لأن ذلك يكون إعانة للشيطان على الإنسان .
قال عليه الصلاة والسلام : لا تكونوا عونا للشيطان على أخِيكُم . رواه الإمام أحمد .
وعند البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : أُتِي النبي صلى الله عليه وسلم بِرَجُل قد شرب ، قال : اضْرِبُوه ، قال أبو هريرة : فَمِنّا الضّارِب بِيدِه ، والضّارِب بِنَعله ، والضّارِب بِثَوبِه ، فلما انصرف قال بعض القوم : أخْزَاك الله ! قال : لا تَقولوا هكذا ، لا تُعِينُوا عليه الشيطان .

وقد يكون لِصاحِب الذَّنْب ما يشفع له عند الله ، ونحن لا نعلمه
ففي حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أن رجلا على عهد النبي صلى الله عليه و سلم كان اسمه عبد الله وكان يُلَقّب حِمارا ، وكان يُضْحِك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جَلَدَه في الشّرَاب ، فأُتِي به يوما فأمَرَ به فجُلِد ، فقال رجل من القوم : اللهم الْعَنه ، ما أكثر ما يُؤتَى به ؟ فقال النبي صلى الله عليه و سلم : لا تلعنوه ، فوالله ما عَلمتُ إلاّ أنه يُحِبّ الله ورسوله . رواه البخاري .

وثبت النهي عن الردّ على من عيّر إنسانا بِما فيه ، فقال عليه الصلاة والسلام : وَإِنْ امْرُؤٌ شَتَمَكَ وَعَيَّرَكَ بِمَا يَعْلَمُ فِيكَ فَلا تُعَيِّرْهُ بِمَا تَعْلَمُ فِيهِ ، فَإِنَّمَا وَبَالُ ذَلِكَ عَلَيْهِ . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي .

وجَرَتْ عادة الله أن مَن عيَّر أخاه بِذَنْب أنه لا يَموت حتى يَقَع فيه وَيَرْتَكِبه .
قال ابن القيم : مَن ضَحِك من النَّاس ضُحِك مِنْهُ ، وَمن عَيَّر أَخَاهُ بِعَمَل ابْتُلِيَ بِهِ وَلا بُد . اهـ .

قال الهروي : كل معصية عيّرت بها أخاك فهي إلَيْك .
قال ابن القيم : يُحتمل أن يريد به : أنها صائرة إلَيُك ولا بُدّ أن تَعمَلها ...
ويُحتمل أن يريد : أن تعييرك لأخيك بِذَنبه أعظم إثما مِن ذنبه وأشد مِن معصيته ، لِمَا فيه مِن صولة الطاعة ، وتزكية النفس وشُكرها ، والمناداة عليها بالبراءة مِن الذنب ، وأن أخاك بَاءَ به ، ولعل كَسرَته بذنبه ، وما أحدث له مِن الذلة والخضوع والإزراء على نفسه ، والتخلّص مِن مرض الدعوى والكبر والعُجب ، ووقوفه بين يدي الله ناكِس الرأس ، خاشع الطَّرف ، مُنكسِر القلب أنفع له ، وخير مِن صولة طاعتك ، وتكثرك بها والاعتداد بها ، والْمِنّة على الله وخَلقه بها ، فما أقرب هذا العاصي مِن رحمة الله ! وما أقرب هذا الْمُدِلّ مِن مقت الله .
فَذَنْب تَذِلّ به لَدَيه أحب إليه مِن طاعة تُدِلّ بها عليه . وإنك أن تَبيت نائما وتُصبِح نادما ، خير مِن أن تبيت قائما وتصبح مُعجَبا . اهـ .

ثم إن كل إنسان وكل فئة لديها مِن الذنوب والمَعَايب ما هو أحْرَى بالتصحيح وأوْلَى بالانتقاد .
وقد قيل :
قَبِيحٌ مِن الإِنْسَانِ يَنْسَى عُيُوبَهُ ... وَيَذْكُرْ عَيْبًا فِي أَخِيهِ قَدْ اخْتَفَى
وَلَوْ كَانَ ذَا عَقْلٍ لَمَا عَابَ غَيْرَهُ ... وَفِيهِ عُيُوبٌ لَوْ رَآهَا بِهَا اكْتَفَى

كما قيل أيضا :
إِذَا أَنْتَ عِبْتَ النَّاسَ عَابُوا وَأَكْثَرُوا *** عَلَيْكَ وَأَبْدَوا فِيكَ مَا كَانَ يُسْتَرُ
وَإِمَّا ذَكَرَتْ النَّاسَ فَاتْرُكْ عُيُوبَهم *** وَلا عَيْبَ إِلاَّ مِثْلَ مَا فِيكَ يُذْكَرُ
فَإِنْ عِبْتَ قَوْمًا بِالَّذِي فِيكَ مِثْلُهُ *** فَكَيْفَ يَعِيبُ الْعُورَ مَنْ هُوَ أَعْوَرُ
وَإِنْ عِبْتَ قَوْمًا بِالَّذِي لَيْسَ فِيهِمْ *** فَذَلِكَ عِنْدَ النَّاسِ وَاللهُ أَكْبَرُ

وسبق :
ما صحة هذا الحديث وما معناه " مَن رأى مبتلى فقال : " الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به" ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=18774


غضيض الطّرف عن هفواتي
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=7843 (http://al-ershaad.com/vb4/showthread.php?t=7843)

والله تعالى أعلم .

المجيب الشيخ/ عبدالرحمن السحيم